إسم المؤلف : أ. أمجد الأغا

الوظيفة : المقرر الادراي للجنة القانونية

August 2, 2009, 10:10 am

 

قراءة قانونية في مدى دستورية مد ولاية المجلس التشريعي الفلسطيني

 

توطئة:


‏      توصف الحالة الفلسطينية بأنها حالة استثنائية لا مثيل لها في أي نظام سياسي، فالنظام الفلسطيني ‏الحالي هو إفراز لحركة تحرر وطني تحولت إلى سلطة "مشوهة" تعيش في كنف الاحتلال، حيث بات ‏هذا النظام محشورا بين مطرقة الاحتلال وسندان الانقسام الداخلي.‏
‏     هذه الحالة انعكست سلبا على الواقع الفلسطيني بمختلف مكوناته، ولعل الأكثر تأثرا نتيجة هذه الحالة ‏الشاذة هي مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني التي تعاني منذ ولاتها أصلا من الهشاشة والضعف.‏
‏    وقد كان المجلس التشريعي الفلسطيني مسرحا للكثير من السجالات التي نشبت بين التيارات ‏الفلسطينية، ولعل أبرز تجليات هذا الخلاف تحت قبة البرلمان هو ما أقدم عليه المجلس التشريعي الجديد ‏عندما ألغى كافة القرارات التي اتخذها المجلس الأول في آخر جلسة له في شباط/2006، وتعزز هذا ‏الانقسام عندما أقدم السيد/ محمود عباس على إقالة حكومة الأستاذ/ إسماعيل هنية وتعيين السيد/ سلام ‏فياض رئيسا للحكومة دون الرجوع للمجلس التشريعي ناهيك عن إعلان حالة الطوارئ وتجميد مهام ‏المجلس التشريعي خلافا للقانون الأساسي واتخاذ القرارات التي لها قوة القانون دون تصديقها من ‏المجلس التشريعي.‏
‏     والآن تلوح في الأفق مسألة دستورية ستكون محلا للتجاذبات تتمثل في "مدى دستورية مد ولاية ‏المجلس التشريعي مؤقتا في صورة تعذر إجراء الانتخابات التشريعية أو إحجام السيد/ محمود عباس ‏ ‏عن الدعوة للانتخابات التشريعية حسب الأصول الدستورية".‏
‏     ولعل تصريح النائب عن حركة حماس الدكتور/ يحيى موسى للصحافة بتاريخ 23/4/2009 بأن ‏القانون الأساسي يجعل ولاية المجلس مستمرة حتى يتسلم المجلس الجديد مهامه، لقد أدى هذا التصريح ‏إلى تحريك المياه الراكدة وإثارة العديد من ردود الأفعال التي كانت أغلبها ذات نزعة سياسية.‏
‏     من خلال هذه الدراسة أردنا أن نعالج الوجه القانوني لولاية المجلس التشريعي الفلسطيني بعيدا عن ‏الخوض في تخوم السياسة.‏

‏‏      توصف الحالة الفلسطينية بأنها حالة استثنائية لا مثيل لها في أي نظام سياسي، فالنظام الفلسطيني ‏الحالي هو إفراز لحركة تحرر وطني تحولت إلى سلطة "مشوهة" تعيش في كنف الاحتلال، حيث بات ‏هذا النظام محشورا بين مطرقة الاحتلال وسندان الانقسام الداخلي.‏‏     هذه الحالة انعكست سلبا على الواقع الفلسطيني بمختلف مكوناته، ولعل الأكثر تأثرا نتيجة هذه الحالة ‏الشاذة هي مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني التي تعاني منذ ولاتها أصلا من الهشاشة والضعف.‏‏    وقد كان المجلس التشريعي الفلسطيني مسرحا للكثير من السجالات التي نشبت بين التيارات ‏الفلسطينية، ولعل أبرز تجليات هذا الخلاف تحت قبة البرلمان هو ما أقدم عليه المجلس التشريعي الجديد ‏عندما ألغى كافة القرارات التي اتخذها المجلس الأول في آخر جلسة له في شباط/2006، وتعزز هذا ‏الانقسام عندما أقدم السيد/ محمود عباس على إقالة حكومة الأستاذ/ إسماعيل هنية وتعيين السيد/ سلام ‏فياض رئيسا للحكومة دون الرجوع للمجلس التشريعي ناهيك عن إعلان حالة الطوارئ وتجميد مهام ‏المجلس التشريعي خلافا للقانون الأساسي واتخاذ القرارات التي لها قوة القانون دون تصديقها من ‏المجلس التشريعي.‏‏     والآن تلوح في الأفق مسألة دستورية ستكون محلا للتجاذبات تتمثل في "مدى دستورية مد ولاية ‏المجلس التشريعي مؤقتا في صورة تعذر إجراء الانتخابات التشريعية أو إحجام السيد/ محمود عباس ‏ ‏عن الدعوة للانتخابات التشريعية حسب الأصول الدستورية".‏‏     ولعل تصريح النائب عن حركة حماس الدكتور/ يحيى موسى للصحافة بتاريخ 23/4/2009 بأن ‏القانون الأساسي يجعل ولاية المجلس مستمرة حتى يتسلم المجلس الجديد مهامه، لقد أدى هذا التصريح ‏إلى تحريك المياه الراكدة وإثارة العديد من ردود الأفعال التي كانت أغلبها ذات نزعة سياسية.‏‏     من خلال هذه الدراسة أردنا أن نعالج الوجه القانوني لولاية المجلس التشريعي الفلسطيني بعيدا عن ‏الخوض في تخوم السياسة.‏

أهمية الموضوع: ‏


لما كانت السُلطة التشريعية في أي نظام سياسي تقوم مقام حجر الزاوية في ضبط إيقاع العملية ‏السياسية برمتها, لذلك فإن تحديد المدة الزمنية لولاية المجلس التشريعي يكتسي أهمية عملية من عدة ‏زوايا:‏
‏1-‏ احترام إرادة الشعوب, حيث تشكَّل المُدة الدستورية للمجلس التشريعي (العقد الدستوري) بين ‏الشعب وأعضاء المجلس, وبالتالي فإن تحديد تاريخ نهاية هذا العقد يعفي أعضاء المجلس من ‏النيابة الممنوحة لهم.‏
‏2-‏ الوقوف على المدة الزمنية لولاية المجلس التشريعي سيُحدد مدى صلاحية المجلس التشريعي ‏ومدى مشروعية ما يصدر عنه, فالمجلس يتعهد بالتشريع والرقابة وبالتالي كافة التشريعات التي ‏قد تصدر عنه في فترة انتهاء الولاية سيكون مآلها البطلان.‏
‏3-‏ تكمن أهمية دراسة مُدة ولاية المجلس التشريعي في وضع التصورات والبحث في سبل تفادي ‏الانزلاق باتجاه حالة (الفراغ التشريعي) عندما تنتهي مُدة الولاية النيابية دون الدعوة إلى ‏انتخابات تشريعية، وذلك من خلال البحث عن مدى توافر النصوص القانونية أو السوابق ‏البرلمانية أو حتى الأعراف الدستورية التي يمكن الاتكاء عليها لسد هذا النقص.‏

إشكالية الموضوع:‏


‏    إن الإشكالية الأٍساسية التي سيُبنى عليها الموضوع برمته تكمن في  الإجابة عن السؤال التالي:-‏
‏   ما مدى دستورية مد ولاية المجلس التشريعي بعد انقضاء المدة الدستورية المحددة في 25/1/2010 وتعذر ‏إجراء الانتخابات التشريعية؟؟
‏    مما لاشك فيه أن الموضوع محل الدراسة جدلي وخلافي خاصة في ظل عدم كفاية النصوص ‏القانونية التي يمكن الاستناد عليها, وكذلك في ظل نقص المرجعيات الدستورية التي يمكن الاستعانة بها ‏على المستوى الوطني لحسم هذا الخلاف على غرار المحكمة الدستورية, ناهيك عن ندرة الأعراف ‏الدستورية الدولية في هذا المجال وفقر الاجتهادات الفقهية, ولكن بالرغم من ذلك سنحاول معالجة مسألة ‏مدى دستورية تمديد الولاية للمجلس التشريعي من خلال التطرق للمحاور التالية:-‏
أولاً: الإطار القانوني المحدد لولاية المجلس التشريعي الفلسطيني.‏
ثانياً: مدى انسجام تمديد ولاية المجلس التشريعي الفلسطيني مع القانون الدستوري المقارن.‏
ثالثاً: مدى انسجام تمديد ولاية المجلس التشريعي مع الأعراف البرلمانية والفقه الدستوري المقارن.‏
رابعاً: الخاتمة.‏

تمهيد:   المجلس التشريعي الفلسطيني لمحة تاريخية موجزة:‏


‏  -  جاءت فكرة إنشاء المجلس التشريعي في وثيقة إعلان المبادئ التي وقعت في أوسلو في أغسطس ‏‏1993 وتم وضع الاتفاقية المتعلقة بالمجلس التشريعي في الاتفاقية الفلسطينية الإسرائيلية للمرحلة ‏الانتقالية لسنة 1995, كما أن المشرع الفلسطيني أصدر القانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية سنة ‏‏2003, كإطار قانوني لهذه الأخيرة وركيزة أساسية وأجرى على هذا القانون الأساسي تعديلا سنة 2005 ‏ ‏.‏
‏-‏ جرت الانتخابات الأولى للمجلس التشريعي, استنادا لقانون الانتخابات رقم (13) لسنة 1995م التي ‏تمخضت عن ولادة المجلس التشريعي الأول سنة 1996م بانتخاب 88 عضو, وكان يفترض أن تنتهي ‏ولاية هذا المجلس في نهاية المرحلة الانتقالية التي حُدَّدت بشهر أيار 1999, إلا أن تدخل المجلس ‏المركزي لمنظمة التحرير أدى إلى تمديد ولاية المجلس الأول حتى شهر كانون الثاني 2006 (سبعة ‏سنوات).‏
‏-‏ في شهر كانون الثاني 2006 جرَت الانتخابات التشريعية الثانية بناءاً على قانون الانتخابات المعدل ‏رقم (9) لسنة 2005 حيث تمت زيادة عدد النواب من 88 إلى 132 وتبني نظام انتخابي جديد, أسفرت ‏هذه الانتخابات بتاريخ 26-1-2006 عن حصول حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الممثلة بكتلة ‏التغيير والإصلاح على أغلبية مقاعد المجلس وهو الأمر الذي مكنَّها من قيادة دَّفة المجلس التشريعي ‏وقيادة الحكومة العاشرة والأهم من ذلك كان هذا الفوز بمثابة (زلزالاً دستورياً), أحدث تغيراً جوهرياً في ‏تركيبة المشهد السياسي الفلسطيني.‏


أولا: الإطار القانوني المحدد لولاية المجلس التشريعي الفلسطيني:‏


‏   بعد الإطلاع على المنظومة التشريعية الفلسطينية تبين أن الإطار القانوني المحدد للولاية الزمنية ‏للمجلس التشريعي يتمثل في القانون الأساسي لسنة 2003 وتعديلاته لسنة 2005م، و قانون الانتخابات ‏رقم (13) لسنة1995م، والقوانين المعدلة له رقم (16) لسنة1995م وقانون رقم (4) لسنة2004م، ‏
والقانون رقم (9) لسنة2005م بشأن الانتخابات، وجاءت المواد القانونية على النحو التالي:‏
أ- القانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية:‏

‏- نصت المادة (47) بند 3 من القانون الأساسي المعدل  لسنة 2005:
‏  " مدة المجلس التشريعي أربع سنوات من تاريخ انتخابه وتجري الانتخابات مرة كل أربع سنوات  ‏بصورة دورية ".‏
‏-‏ نصت المادة (47) مكرر من القانون الأساسي المعدل  لسنة 2005:‏ ‏
‏" تنتهي مدة ولاية المجلس التشريعي القائم عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين ‏الدستوري ".‏
ب- قانون الانتخابات رقم (9) لسنة 2005 :‏
نصت الفقرة 4 من المادة (2) من قانون الانتخابات رقم (9) لسنة 2005:‏
‏(تكون مدة ولاية المجلس أربع سنوات من تاريخ انتخابه وتجرى الانتخابات مرة كل أربع سنوات ‏بصورة دورية).‏
‏    لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن المجلس التشريعي قد أقر بتاريخ 5/6/2008 وبالقراءة الثانية ‏مشروع قانون معدل للقانون رقم (9) لسنة 2005م المتعلق بالانتخابات ‏ ، وجاء التعديل على النحو ‏التالي:‏
‏    - نصت المادة (1) من مشروع القانون المعدل للقانون رقم (9) لسنة 2005م بشان الانتخابات  ‏العامة على ما يلي:‏
‏   " تعدل المادة (7) من قانون رقم (9) لسنة 2005 بشأن الانتخابات لتصبح على النحو التالي:‏
‏1.‏ يصدر الرئيس خلال مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر قبل تاريخ انتهاء مدة ولايته أو ولاية المجلس ‏مرسوماً يدعو فيه لإجراء انتخابات تشريعية أو رئاسية في فلسطين، ويحدد فيه موعد الاقتراع ‏وينشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية ويعلن عنه في الصحف اليومية المحلية.‏
‏2.‏ إذا لم يصدر الرئيس مرسوم الدعوة لإجراء الانتخابات التشريعية أو الرئاسية المنصوص عليه ‏في الفقرة أعلاه. تعتبر الدعوة مصدرة حكماً من اليوم الأول للثلاثة أشهر المنصوص عليها ‏في الفقرة (1) من هذه المادة ".‏


بعد استقراء النصوص القانونية المذكورة أعلاه ودراستها بعناية يمكن أن نستنتج الحقائق التالية:‏
أولا: التأكيد على أن مدة ولاية المجلس التشريعي الفلسطيني هي أربع سنوات تبدأ من تاريخ انتخابه.‏
ثانيا: حرصا من المشرع للحيلولة دون الوقوع في فراغ تشريعي نصت المادة (47) مكرر من القانون ‏الأساسي المعدل  لسنة 2005على مد ولاية أعضاء المجلس التشريعي مؤقتا إلى ما بعد انقضاء الأربع ‏سنوات وذلك إلى حين أداء أعضاء المجلس الجديد اليمين الدستورية، وهو توجه يستحق الإشادة باعتبار ‏وأنه سيساهم في سد الثغرات التي قد يتولد عنها (الفراغ الدستوري)، فقد ينجح أعضاء المجلس التشريعي ‏مثلا بتاريخ 1/1/2010 لكن ونظرا لظروف قاهرة فإنه يتعذر عليهم أداء اليمين الدستورية إلا بتاريخ ‏‏1/4/2010 ، وبالتالي فإنه طيلة الشهور الثلاثة يبقى أعضاء المجلس التشريعي القدامى على رأس ‏عملهم ولا يجوز للأعضاء الجدد مباشرة مهامهم النيابية إلا بعد أداء اليمين حسب نص الدستور. ‏
لكن السؤال الذي يُطرح في هذا السياق: ما هي الصلاحيات المسموح القيام بها بالنسبة لأعضاء ‏المجلس المنتهية مدته وقبل أداء النواب الجدد اليمين الدستورية ؟ ‏
لقد فرق الفقه الدستوري ‏ بين حالتي: الولاية والصلاحية.‏
‏    حيث بانتهاء المدة النيابة للمجلس التشريعي المحددة بأربع سنوات تنقضي الصلاحيات التشريعية ‏والرقابية لأعضاء المجلس، في المقابل تستمر ولاية الأعضاء القدامى مؤقتا إلى حين أداء الأعضاء ‏الجدد اليمين الدستورية حسب القانون.‏
‏     وبالتالي يمكن التأكيد على أن دور أعضاء المجلس التشريعي المنتهية ولايته سيقتصر طيلة فترة ‏الولاية المؤقتة على تسيير الأعمال والإدارة دون أن يكون للمجلس المنتهية ولايته الحق بالتشريع أو ‏الإقرار لمشاريع القوانين أو الاستجواب أو عقد جلسات الاستماع أو أي من الأعمال المنوطة بالسلطة ‏التشريعية. ‏
‏     ولعل هذا التمييز بين مفهومي(الولاية والصلاحية) إلتبس على المجلس التشريعي الأول المنتهية ‏ولايته والذي عقد جلسة بتاريخ 13/2/2006 أقر بها مجموعة من المراسيم والقرارات والتعديلات التي ‏توسع من صلاحيات الرئيس عباس وتُقلص من سلطات المجلس التشريعي الجديد الذي تملك به حماس ‏الأغلبية وكذلك تقتطع العديد من مهام رئيس لوزراء لصالح رئيس السلطة، الأمر الذي أثار تساؤلات ‏حول مدى قانونية هذه الجلسة ؟ وهل يحق للمجلس التشريعي المنتهية ولايته ممارسة التشريع؟
‏    لقد سارع المجلس التشريعي الجديد في أول جلسة له إلى إلغاء كافة القرارات التي أُتخذت خلال ‏جلسة المجلس التشريعي المنعقدة في13/2/2006 بإعتبار وأن المجلس القديم إنتهت ولايته ولا يملك إلا ‏سلطات التسيير ‏ .‏
‏    في المقابل تمسك أعضاء المجلس التشريعي المنتهية ولايته بأن المادة (47 مكرر) من القانون ‏الأساسي المعدل تخولهم صلاحية مباشرة مهامهم الدستورية الكاملة إلى حين أن يؤدي الأعضاء الجدد ‏اليمين الدستورية ‏.‏
‏     ولعل ما ذهب إليه الأستاذ الدكتور/ مبارك الخالدي (أستاذ القانون الدستوري بجامعة النجاح ورئيس ‏لجنة صياغة الدستور الفلسطيني) هو الأرجح  بأن الفترة التي تعقب إنتهاء الولاية الدستورية للمجلس هي ‏فترة مؤقتة وبالتالي لا يملك المجلس صلاحية البت في أي قانون أو تعديله طيلة مدة إنتظار أداء النواب ‏الجدد اليمين الدستورية. ‏

ثالثا: جاء هذا التوجه الدستوري منسجما مع نص الفقرة 2 من المادة 37 ‏ من القانون الأساسي التي ‏أوكلت لرئيس المجلس التشريعي مهام رئيس السلطة الفلسطينية بشكل مؤقت مدة 60 يوما عند شغور ‏منصب هذا الأخير ‏‎.‎
وبالتالي فإن فلسفة المشرع في كلتا الحالتين هي درء حالات الفراغ التي قد تترتب عن الشغور في ‏السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية. ‏

رابعا: نصت المادة 3 من القانون الأساسي المعدل رقم 2 لسنة 2005  على ما يلي:‏
‏(يلغى كل ما يتعارض مع أحكام هذا القانون الأساسي المعدل).‏
‏   جاءت هذه المادة متناغمة مع القاعدة القانونية "النص اللاحق ينسخ النص السابق" وبالتالي يقع باطلا ‏كل نص دستوري أو قانون عادي أو قانون فرعي أو أي نص أو إجراء يتعارض مع التعديلات الواردة ‏في القانون الأساسي المعدل.‏
خامسا: جاء مشروع القانون المعدل للقانون رقم (9) لسنة 2005م بشان الانتخابات بإضافة جديدة لها ‏تأثير على ولاية المجلس التشريعي، عندما اعتبر التعديل بأن إحجام الرئيس عن الدعوة للانتخابات ‏التشريعية خلال مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر قبل تاريخ انتهاء مدة ولاية المجلس تعتبر الدعوة مصدرة ‏حكماً من اليوم الأول للثلاثة أشهر، وحيث أنه من المفترض أن تنقضي ولاية المجلس الحالي بحلول ‏تاريخ 25/1/2010 فإن الدعوة لإجراء الانتخابات التشريعية ستكون صادرة ضمنيا بتاريخ ‏‏25/10/2009 ، وبالتالي لن يكون هناك مبرر لبقاء المجلس أو تمديد ولايته على النحو المذكور أعلاه، ‏إنما يتعين أن تتجه الجهود للشروع بالتجهيز للانتخابات التشريعية استنادا للدعوة الضمنية، لكن نؤكد ‏على أن ما تضمنه القانون المعدل لقانون الانتخابات رقم (9) لسنة 2005م لا يمكن أن يخالف أو ‏يتناقض مع النص الدستوري الصريح الذي أكد بأن ولاية المجلس التشريعي تنتهي بأداء النواب الجدد ‏اليمين القانونية، لأن الدعوة لإجراء الانتخابات التشريعية قد تكون قد صدرت حكما، لكن الظروف ‏العامة تحول دون إجراءها وبالتالي بقاء المجلس يستهدف سد الفراغ الدستوري .‏


ثانياً: مدى انسجام تمديد ولاية المجلس التشريعي مع القانون الدستوري المقارن:‏


‏    إن المتأمل في التشريعات الدستورية المقارنة لاسيما في الدول العربية في ما يتعلق بمعالجتها لمسألة ‏ولاية السلطة التشريعية, يمكن أن يستخلص مايلي:‏
‏ " تكاد تبني جُل الدساتير العربية مبدأ تحديد الولاية الزمنية للسُلطة التشريعية بصياغة قانونية قاطعة ‏بحيث تضبط المدة بعدد سنوات محددة، وتحدد بدأ سريان احتسابها بأول اجتماع للسلطة  التشريعية ‏ ".‏
‏    في حين جنحت العديد من الدساتير نحو معالجة حالة الفراغ التشريعي الذي قد ينشأ عند تعذر إجراء ‏الانتخابات التشريعية إثر انقضاء ولاية السُلطة التشريعية, وللحيلولة دون الوقوع في هذه الحالة, ‏حرصت الدساتير على تبني إحدى أمرين:-‏

‏1-‏ السماح للمجلس القائم بالبقاء حتى يتم انتخاب المجلس الجديد.‏
‏-‏ المادة (68) الفقرة (ب) من الدستور الأردني ‏.‏
‏-‏ المادة (64) الدستور اليمني ‏.‏
‏-‏ المادة (102) الدستور الجزائري ‏.‏
‏2-‏ مد ولاية المجلس القائم بشكل مؤقت بموجب قانون.‏
‏-‏ المادة (83) الدستور الكويتي ‏.‏
‏-‏ المادة (23) الدستور التونسي ‏.‏
‏-‏ المادة (81) الدستور القطري ‏. ‏
‏-‏ المادة (51) الدستور السوري ‏.‏


ثالثاً: مدى انسجام تمديد ولاية المجلس التشريعي مع الأعراف البرلمانية والفقه الدستوري:‏

‏    تندرج الأعراف البرلمانية والفقه الدستوري في إطار مصادر القانون التي يمكن الاتكاء عليها في ‏الحالات التي نصطدم بها في وضعية (الفراغ القانوني) أو تدعيم نصوص قانونية يكتنفها الغموض أو ‏يعتريها النقص.‏
‏    وبالتالي سنحاول وضع مسألة (مد ولاية المجلس التشريعي بعد انتهاء المُدة الدستورية) على محك ‏الأعراف البرلمانية ثم نستعرض بعض الآراء والدراسات الفقهية التي عالجت المسألة.‏

أ‌-‏ تمديد ولاية المجلس التشريعي في ظل الأعراف البرلمانية: ‏
‏      العرف الدستوري هو تواتر سلوك برلماني مُعين ولُمدة طويلة حتى اكتسب الصفة المُلزمة, ‏ويندرج ضمن مفهوم العُرف البرلماني (السوابق البرلمانية) التي شهدتها العديد من السًلطات التشريعية ‏في أحوال وظروف مشابهة يمكن القياس عليها.‏
‏      ولعل أفضل ما نستهل به الحديث عن الأعراف البرلمانية الإشارة إلى " سابقة تمديد ولاية ‏المجلس التشريعي الأول " , حيث أصدر الرئيس الراحل المرحوم‎/‎‏ ياسر عرفات مرسوماً رئاسياً في ‏مارس 2002 يقضي بمد ولاية المجلس التشريعي الذي كان من المفترض أن تنتهي ولايتهُ في المرحلة ‏الانتقالية التي حُددت بشهر أيار‏‎/‎‏ 1999  وقد نص المرسوم الرئاسي على ما يلي: "بناءً على الصلاحيات ‏المخولة لنا ونظراً للظروف الراهنة التي يمر بها الوطن وبناءً على مقتضيات المصلحة العليا قررنا ‏تمديد فترة ولاية الدورة الحالية للمجلس التشريعي الفلسطيني لمدة أقصاها ثلاثة أشهر.‏
‏     وقد تدخل المجلس المركزي لمنظمة التحرير لإضافة تمديد جديد لولاية المجلس التشريعي ليستمر ‏عمله حتى كانون الثاني‏‎/‎‏ 2006‏ ‏.‏
‏    يمكن أن نستخلص من السابقة آنفة الذكر بأنه كلما كانت الظروف القائمة تحول دون إجراء انتخابات ‏تشريعية بسبب مضايقات الاحتلال أو بسبب ظروف قاهرة ، فإن تلكم الظروف تعد سبباً وجيها يدعو إلى ‏استمرارية ولاية المجلس التشريعي بشكل مؤقت لحين زوال تلك العوارض.‏
وهذا ما أكدته المادة (47) مكرر من القانون الأساسي المعدل لسنة 2005م, " تنتهي ولاية المجلس ‏القائم عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية " في إشارة إلى مد الولاية المجلس ‏القديم إذا تعذَّر على النواب الجدد أداء اليمين الدستورية بسبب ظروف استثنائية .‏
إن ذات الظروف التي ساهمت في التمديد للمجلس التشريعي الأول سنة 2002, في سابقة هي ‏الأولى التي تشهدها الحياة البرلمانية الفلسطينية ، هي نفسها  تتكرر في ظل الوضع الراهن، حيث أضيف ‏للإجراءات التعسفية للاحتلال حالة الانقسام الداخلي كأحد الموانع التي يتعذر معها إجراء انتخابات , ‏ناهيك عن فقدان السيد‎/‎‏ محمود عباس لشرعية الدعوة إلى الانتخابات التشريعية لانتهاء مهامه دستوريا، ‏وكل هذه الحجج تؤيد اعتناق سابقة 2002.‏


ب‌-‏ ‏ تمديد ولاية المجلس التشريعي في ظل الفقه الدستوري:‏
‏1.‏ ‏ إن مسألة (الولاية الدستورية للمجلس التشريعي) ترتبط بمبدأ فقهي شهير هو(المشروعية ‏الديمقراطية) وهي أن ولاية السلطة التشريعية مُحددة بفترة زمنية وذلك تمشياً مع المبدأ ‏الديمقراطي الذي يقتضي التجديد بصفة دورية عن طريق الانتخابات.‏
‏2.‏ ‏ من المبادئ الفقهية الراسخة في الأنظمة الدستورية مبدأ (سمو الدساتير) بمعنى منح الدستور ‏المكانة الأعلى وتبوأه قمة الهرم التشريعي, بحيث يعتبر أعلى وثيقة قانونية توجد في أي نظام ‏سياسي, وبالتالي كافة القوانين الأخرى تنضوي تحت عباءة الدستور مثل القوانين العادية ‏والقوانين الفرعية وأي إجراء أو سلوك آخر يجب ألا يُخالف نصوص الدستور‏ ‏, وحيث أن ‏الدستور قد نص على مد الولاية التشريعية بشكل مؤقت إلى حين أداء أعضاء المجلس الجدد ‏اليمين الدستورية وذلك استناداً للمادة (47) مكرر من القانون الأساسي المعدل لسنة 2005 م ‏وأضاف هذا الأخير مادة تقضي ببطلان كل نص يخالف أحكام هذا القانون الأساسي المعدل.‏
‏     فيترتب عن ذلك عدم إمكانية الاحتجاج بقانون الانتخابات أو غيره من القوانين في ظل توافر ‏أحكام دستورية تنظم نفس المسألة.‏

‏3.‏ ‏ فكرة (الفقه القانوني المقاوم) أطلق هذا المُصطلح رئيس اللجنة القانونية السابق ووزير العدل ‏الحالي الأستاذ / محمد فرج الغول الذي بيَّن بأن الوضع الفلسطيني الذي تعيشه السُلطة الوطنية ‏الفلسطينية هو وضع استثنائي لا مثيل له في العالم مما دفع المجتمع لإيجاد أساليب مقاومة جديدة ‏على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والقانونية, وهذه الأساليب تبقي وتتطور طالما بقيُّ ‏الاحتلال جاثماً على صدورنا ، جاء حديث الأستاذ/ الغول في معرض تبريره لشرعية الوكالات ‏الدستورية للنواب المعتقلين .‏
‏4.‏ آراء فقهية حول مد ولاية المجلس التشريعي :‏
• على الرغم من ندرة الدراسات والأبحاث القانونية التي تناولت هذه المسألة إلا أنه أمكن لنا ‏الإطلاع على بعض الآراء الفقهية المتناثرة حول دستورية التمديد لولاية المجلس التشريعي بشكل ‏مؤقت استناداً للمادة (47) مكرر من القانون الأساسي المعدل لسنة 2005.‏
‏     حيث أشار الأستاذ الدكتور‎/‎‏ أحمد مبارك الخالدي عميد كلية الحقوق في جامعة النجاح سابقاً ‏ورئيس لجنة وضع الدستور ووزير العدل الأسبق إلى الرأي التالي نورده كاملاً لأهميته:‏
‏(نجد أن المشرع الدستوري الفلسطيني في القانون الأساسي لم يأخذ بحكم إجراء الانتخابات الرئاسية ‏والتشريعية متزامنة, ولو أراد ذلك لسلك المسلك نفسه الذي اتبعه في إضافة المادة (47) مكرر إلى ‏القانون الأساسي التي جاءت لتضع استثناء على الحكم العام الوارد في نص المادة (47/3) والذي ‏قرر بصفة عامة أن مدة ولاية المجلس التشريعي أربع سنوات من تاريخ انتخابه الأمر الذي يستوجب ‏انتهاء ولاية المجلس التشريعي من يوم إعلان نتائج انتخاب المجلس التشريعي الجديد, لكن المشرع ‏الدستوري أراد أن يضع استثناء على ذلك الحكم العام حيث أراد أن يمد في ولاية المجلس التشريعي ‏السابق وتعطيل بدء ولاية المجلس التشريعي الجديد إلى حين إتمام أعضاء المجلس التشريعي الجديد حلف ‏اليمين الدستورية, لذلك نص على الاستثناء على الأصل في المادة (47) مكرر من القانون الأساسي ‏ذاته ولم ينص عليه في قاعدة أدني درجة من القانون الأساسي")‏ ‏.‏

‏    أيضا يُدعِّم ويعزز الرأي المذكور أعلاه رأي آخر أفاد بما يلي وننقله حرفيا : ‏

‏    [ ينص القانون الأساسي في المادة 47على أن المجلس التشريعي هو السلطة التشريعية المنتخبة, ‏وأنه يتولى مهامه التشريعية والرقابية على الوجه المبين بنظامه الداخلي, وتحدد المادة نفسها مدة المجلس ‏التشريعي بأربع سنوات من تاريخ انتخابه بحيث تجرى الانتخابات مرة كل أربع سنوات بصورة ‏دورية.‏
‏    وقد جرى التعديل الدستوري سنة 2005م, انسجاما مع قانون الانتخابات لسنة 2005م, ‏الذي أنهى مسألة بقاء المجلس طوال المرحلة الانتقالية فيما نصت المادة (47 مكرر) على أن (تنتهي ‏مُدة ولاية المجلس التشريعي القائم عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية).‏
‏    وقد تمَّ إحداث هذا النص لسد أي فراغ دستوري قد ينشأ في حال لم تجر الانتخابات التشريعية أو ‏عدم قدرة المجلس التشريعي الجديد على الانعقاد نتيجة التهديدات الإسرائيلية بعدم السماح ‏للفلسطينيين بإجراء الانتخابات التشريعية خاصة في مدينة القدس ووفقاً للاتفاقيات الفلسطينية ‏الإسرائيلية عام 1995م "وبخاصة البروتوكول الخاص بالانتخابات"] ‏ ‏.‏

 

‏- الخلاصـــة:‏
‏      جـاءت التعديلات الدستورية الواردة في القانون الأساسي المعدل رقم 2 لسنة 2005 لسد الثغرات ‏التي اعترت القانون الأساسي لسنة 2003 فيما يتعلق بتحديد مدة ولاية المجلس التشريعي، وبالتالي يمكن ‏التأكيد على أن: ولاية أعضاء المجلس التشريعي القائم تنتهي بتضافر شرطين متلازمين:‏
‏1-‏ انقضاء مدة الأربع سنوات من تاريخ انتخاب المجلس التشريعي.‏
‏2-‏ قيام أعضاء المجلس التشريعي الجدد بأداء اليمين الدستورية.‏
‏   وعليه بانقضاء مدة الأربع سنوات يبقى المجلس الحالي يباشر أعماله التشريعية المنوطة به بشكل ‏مؤقت إلى حين أداء الأعضاء الجدد اليمين الدستورية حسب الأصول، مع التأكيد على أن دور أعضاء ‏المجلس التشريعي المنتهية ولايته سيقتصر طيلة فترة الولاية المؤقتة على تسيير الأعمال والإدارة ‏دون أن يكون للمجلس المنتهية ولايته الحق بالتشريع أو الإقرار لمشاريع القوانين أو الاستجواب أو ‏عقد جلسات الاستماع أو أي من الأعمال المنوطة بالسلطة التشريعية. ‏
وهذا التوجه ينسجم ويتناغم مع كل من القانون الدستوري المقارن فضلا عن الفقه الدستوري وكذلك ‏مع الأعراف البرلمانية المشار إليها أعلاه.  ‏


انتهى ،،،