
إسم المؤلف : أ. أمجد الأغا
الوظيفة : المقرر الادراي للجنة القانونيةAugust 2, 2009, 10:10 am
قراءة قانونية في مدى دستورية مد ولاية المجلس التشريعي الفلسطيني
توطئة:
توصف الحالة الفلسطينية بأنها حالة استثنائية لا مثيل لها في أي نظام سياسي، فالنظام الفلسطيني الحالي هو إفراز لحركة تحرر وطني تحولت إلى سلطة "مشوهة" تعيش في كنف الاحتلال، حيث بات هذا النظام محشورا بين مطرقة الاحتلال وسندان الانقسام الداخلي.
هذه الحالة انعكست سلبا على الواقع الفلسطيني بمختلف مكوناته، ولعل الأكثر تأثرا نتيجة هذه الحالة الشاذة هي مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني التي تعاني منذ ولاتها أصلا من الهشاشة والضعف.
وقد كان المجلس التشريعي الفلسطيني مسرحا للكثير من السجالات التي نشبت بين التيارات الفلسطينية، ولعل أبرز تجليات هذا الخلاف تحت قبة البرلمان هو ما أقدم عليه المجلس التشريعي الجديد عندما ألغى كافة القرارات التي اتخذها المجلس الأول في آخر جلسة له في شباط/2006، وتعزز هذا الانقسام عندما أقدم السيد/ محمود عباس على إقالة حكومة الأستاذ/ إسماعيل هنية وتعيين السيد/ سلام فياض رئيسا للحكومة دون الرجوع للمجلس التشريعي ناهيك عن إعلان حالة الطوارئ وتجميد مهام المجلس التشريعي خلافا للقانون الأساسي واتخاذ القرارات التي لها قوة القانون دون تصديقها من المجلس التشريعي.
والآن تلوح في الأفق مسألة دستورية ستكون محلا للتجاذبات تتمثل في "مدى دستورية مد ولاية المجلس التشريعي مؤقتا في صورة تعذر إجراء الانتخابات التشريعية أو إحجام السيد/ محمود عباس عن الدعوة للانتخابات التشريعية حسب الأصول الدستورية".
ولعل تصريح النائب عن حركة حماس الدكتور/ يحيى موسى للصحافة بتاريخ 23/4/2009 بأن القانون الأساسي يجعل ولاية المجلس مستمرة حتى يتسلم المجلس الجديد مهامه، لقد أدى هذا التصريح إلى تحريك المياه الراكدة وإثارة العديد من ردود الأفعال التي كانت أغلبها ذات نزعة سياسية.
من خلال هذه الدراسة أردنا أن نعالج الوجه القانوني لولاية المجلس التشريعي الفلسطيني بعيدا عن الخوض في تخوم السياسة.
توصف الحالة الفلسطينية بأنها حالة استثنائية لا مثيل لها في أي نظام سياسي، فالنظام الفلسطيني الحالي هو إفراز لحركة تحرر وطني تحولت إلى سلطة "مشوهة" تعيش في كنف الاحتلال، حيث بات هذا النظام محشورا بين مطرقة الاحتلال وسندان الانقسام الداخلي. هذه الحالة انعكست سلبا على الواقع الفلسطيني بمختلف مكوناته، ولعل الأكثر تأثرا نتيجة هذه الحالة الشاذة هي مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني التي تعاني منذ ولاتها أصلا من الهشاشة والضعف. وقد كان المجلس التشريعي الفلسطيني مسرحا للكثير من السجالات التي نشبت بين التيارات الفلسطينية، ولعل أبرز تجليات هذا الخلاف تحت قبة البرلمان هو ما أقدم عليه المجلس التشريعي الجديد عندما ألغى كافة القرارات التي اتخذها المجلس الأول في آخر جلسة له في شباط/2006، وتعزز هذا الانقسام عندما أقدم السيد/ محمود عباس على إقالة حكومة الأستاذ/ إسماعيل هنية وتعيين السيد/ سلام فياض رئيسا للحكومة دون الرجوع للمجلس التشريعي ناهيك عن إعلان حالة الطوارئ وتجميد مهام المجلس التشريعي خلافا للقانون الأساسي واتخاذ القرارات التي لها قوة القانون دون تصديقها من المجلس التشريعي. والآن تلوح في الأفق مسألة دستورية ستكون محلا للتجاذبات تتمثل في "مدى دستورية مد ولاية المجلس التشريعي مؤقتا في صورة تعذر إجراء الانتخابات التشريعية أو إحجام السيد/ محمود عباس عن الدعوة للانتخابات التشريعية حسب الأصول الدستورية". ولعل تصريح النائب عن حركة حماس الدكتور/ يحيى موسى للصحافة بتاريخ 23/4/2009 بأن القانون الأساسي يجعل ولاية المجلس مستمرة حتى يتسلم المجلس الجديد مهامه، لقد أدى هذا التصريح إلى تحريك المياه الراكدة وإثارة العديد من ردود الأفعال التي كانت أغلبها ذات نزعة سياسية. من خلال هذه الدراسة أردنا أن نعالج الوجه القانوني لولاية المجلس التشريعي الفلسطيني بعيدا عن الخوض في تخوم السياسة.
أهمية الموضوع:
لما كانت السُلطة التشريعية في أي نظام سياسي تقوم مقام حجر الزاوية في ضبط إيقاع العملية السياسية برمتها, لذلك فإن تحديد المدة الزمنية لولاية المجلس التشريعي يكتسي أهمية عملية من عدة زوايا:
1- احترام إرادة الشعوب, حيث تشكَّل المُدة الدستورية للمجلس التشريعي (العقد الدستوري) بين الشعب وأعضاء المجلس, وبالتالي فإن تحديد تاريخ نهاية هذا العقد يعفي أعضاء المجلس من النيابة الممنوحة لهم.
2- الوقوف على المدة الزمنية لولاية المجلس التشريعي سيُحدد مدى صلاحية المجلس التشريعي ومدى مشروعية ما يصدر عنه, فالمجلس يتعهد بالتشريع والرقابة وبالتالي كافة التشريعات التي قد تصدر عنه في فترة انتهاء الولاية سيكون مآلها البطلان.
3- تكمن أهمية دراسة مُدة ولاية المجلس التشريعي في وضع التصورات والبحث في سبل تفادي الانزلاق باتجاه حالة (الفراغ التشريعي) عندما تنتهي مُدة الولاية النيابية دون الدعوة إلى انتخابات تشريعية، وذلك من خلال البحث عن مدى توافر النصوص القانونية أو السوابق البرلمانية أو حتى الأعراف الدستورية التي يمكن الاتكاء عليها لسد هذا النقص.
إن الإشكالية الأٍساسية التي سيُبنى عليها الموضوع برمته تكمن في الإجابة عن السؤال التالي:-
ما مدى دستورية مد ولاية المجلس التشريعي بعد انقضاء المدة الدستورية المحددة في 25/1/2010 وتعذر إجراء الانتخابات التشريعية؟؟
مما لاشك فيه أن الموضوع محل الدراسة جدلي وخلافي خاصة في ظل عدم كفاية النصوص القانونية التي يمكن الاستناد عليها, وكذلك في ظل نقص المرجعيات الدستورية التي يمكن الاستعانة بها على المستوى الوطني لحسم هذا الخلاف على غرار المحكمة الدستورية, ناهيك عن ندرة الأعراف الدستورية الدولية في هذا المجال وفقر الاجتهادات الفقهية, ولكن بالرغم من ذلك سنحاول معالجة مسألة مدى دستورية تمديد الولاية للمجلس التشريعي من خلال التطرق للمحاور التالية:-
أولاً: الإطار القانوني المحدد لولاية المجلس التشريعي الفلسطيني.
ثانياً: مدى انسجام تمديد ولاية المجلس التشريعي الفلسطيني مع القانون الدستوري المقارن.
ثالثاً: مدى انسجام تمديد ولاية المجلس التشريعي مع الأعراف البرلمانية والفقه الدستوري المقارن.
رابعاً: الخاتمة.
- جاءت فكرة إنشاء المجلس التشريعي في وثيقة إعلان المبادئ التي وقعت في أوسلو في أغسطس 1993 وتم وضع الاتفاقية المتعلقة بالمجلس التشريعي في الاتفاقية الفلسطينية الإسرائيلية للمرحلة الانتقالية لسنة 1995, كما أن المشرع الفلسطيني أصدر القانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية سنة 2003, كإطار قانوني لهذه الأخيرة وركيزة أساسية وأجرى على هذا القانون الأساسي تعديلا سنة 2005 .
- جرت الانتخابات الأولى للمجلس التشريعي, استنادا لقانون الانتخابات رقم (13) لسنة 1995م التي تمخضت عن ولادة المجلس التشريعي الأول سنة 1996م بانتخاب 88 عضو, وكان يفترض أن تنتهي ولاية هذا المجلس في نهاية المرحلة الانتقالية التي حُدَّدت بشهر أيار 1999, إلا أن تدخل المجلس المركزي لمنظمة التحرير أدى إلى تمديد ولاية المجلس الأول حتى شهر كانون الثاني 2006 (سبعة سنوات).
- في شهر كانون الثاني 2006 جرَت الانتخابات التشريعية الثانية بناءاً على قانون الانتخابات المعدل رقم (9) لسنة 2005 حيث تمت زيادة عدد النواب من 88 إلى 132 وتبني نظام انتخابي جديد, أسفرت هذه الانتخابات بتاريخ 26-1-2006 عن حصول حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الممثلة بكتلة التغيير والإصلاح على أغلبية مقاعد المجلس وهو الأمر الذي مكنَّها من قيادة دَّفة المجلس التشريعي وقيادة الحكومة العاشرة والأهم من ذلك كان هذا الفوز بمثابة (زلزالاً دستورياً), أحدث تغيراً جوهرياً في تركيبة المشهد السياسي الفلسطيني.
أولا: الإطار القانوني المحدد لولاية المجلس التشريعي الفلسطيني:
بعد الإطلاع على المنظومة التشريعية الفلسطينية تبين أن الإطار القانوني المحدد للولاية الزمنية للمجلس التشريعي يتمثل في القانون الأساسي لسنة 2003 وتعديلاته لسنة 2005م، و قانون الانتخابات رقم (13) لسنة1995م، والقوانين المعدلة له رقم (16) لسنة1995م وقانون رقم (4) لسنة2004م،
والقانون رقم (9) لسنة2005م بشأن الانتخابات، وجاءت المواد القانونية على النحو التالي:
أ- القانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية:
- نصت المادة (47) بند 3 من القانون الأساسي المعدل لسنة 2005:
" مدة المجلس التشريعي أربع سنوات من تاريخ انتخابه وتجري الانتخابات مرة كل أربع سنوات بصورة دورية ".
- نصت المادة (47) مكرر من القانون الأساسي المعدل لسنة 2005:
" تنتهي مدة ولاية المجلس التشريعي القائم عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستوري ".
ب- قانون الانتخابات رقم (9) لسنة 2005 :
نصت الفقرة 4 من المادة (2) من قانون الانتخابات رقم (9) لسنة 2005:
(تكون مدة ولاية المجلس أربع سنوات من تاريخ انتخابه وتجرى الانتخابات مرة كل أربع سنوات بصورة دورية).
لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن المجلس التشريعي قد أقر بتاريخ 5/6/2008 وبالقراءة الثانية مشروع قانون معدل للقانون رقم (9) لسنة 2005م المتعلق بالانتخابات ، وجاء التعديل على النحو التالي:
- نصت المادة (1) من مشروع القانون المعدل للقانون رقم (9) لسنة 2005م بشان الانتخابات العامة على ما يلي:
" تعدل المادة (7) من قانون رقم (9) لسنة 2005 بشأن الانتخابات لتصبح على النحو التالي:
1. يصدر الرئيس خلال مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر قبل تاريخ انتهاء مدة ولايته أو ولاية المجلس مرسوماً يدعو فيه لإجراء انتخابات تشريعية أو رئاسية في فلسطين، ويحدد فيه موعد الاقتراع وينشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية ويعلن عنه في الصحف اليومية المحلية.
2. إذا لم يصدر الرئيس مرسوم الدعوة لإجراء الانتخابات التشريعية أو الرئاسية المنصوص عليه في الفقرة أعلاه. تعتبر الدعوة مصدرة حكماً من اليوم الأول للثلاثة أشهر المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة ".
بعد استقراء النصوص القانونية المذكورة أعلاه ودراستها بعناية يمكن أن نستنتج الحقائق التالية:
أولا: التأكيد على أن مدة ولاية المجلس التشريعي الفلسطيني هي أربع سنوات تبدأ من تاريخ انتخابه.
ثانيا: حرصا من المشرع للحيلولة دون الوقوع في فراغ تشريعي نصت المادة (47) مكرر من القانون الأساسي المعدل لسنة 2005على مد ولاية أعضاء المجلس التشريعي مؤقتا إلى ما بعد انقضاء الأربع سنوات وذلك إلى حين أداء أعضاء المجلس الجديد اليمين الدستورية، وهو توجه يستحق الإشادة باعتبار وأنه سيساهم في سد الثغرات التي قد يتولد عنها (الفراغ الدستوري)، فقد ينجح أعضاء المجلس التشريعي مثلا بتاريخ 1/1/2010 لكن ونظرا لظروف قاهرة فإنه يتعذر عليهم أداء اليمين الدستورية إلا بتاريخ 1/4/2010 ، وبالتالي فإنه طيلة الشهور الثلاثة يبقى أعضاء المجلس التشريعي القدامى على رأس عملهم ولا يجوز للأعضاء الجدد مباشرة مهامهم النيابية إلا بعد أداء اليمين حسب نص الدستور.
لكن السؤال الذي يُطرح في هذا السياق: ما هي الصلاحيات المسموح القيام بها بالنسبة لأعضاء المجلس المنتهية مدته وقبل أداء النواب الجدد اليمين الدستورية ؟
لقد فرق الفقه الدستوري بين حالتي: الولاية والصلاحية.
حيث بانتهاء المدة النيابة للمجلس التشريعي المحددة بأربع سنوات تنقضي الصلاحيات التشريعية والرقابية لأعضاء المجلس، في المقابل تستمر ولاية الأعضاء القدامى مؤقتا إلى حين أداء الأعضاء الجدد اليمين الدستورية حسب القانون.
وبالتالي يمكن التأكيد على أن دور أعضاء المجلس التشريعي المنتهية ولايته سيقتصر طيلة فترة الولاية المؤقتة على تسيير الأعمال والإدارة دون أن يكون للمجلس المنتهية ولايته الحق بالتشريع أو الإقرار لمشاريع القوانين أو الاستجواب أو عقد جلسات الاستماع أو أي من الأعمال المنوطة بالسلطة التشريعية.
ولعل هذا التمييز بين مفهومي(الولاية والصلاحية) إلتبس على المجلس التشريعي الأول المنتهية ولايته والذي عقد جلسة بتاريخ 13/2/2006 أقر بها مجموعة من المراسيم والقرارات والتعديلات التي توسع من صلاحيات الرئيس عباس وتُقلص من سلطات المجلس التشريعي الجديد الذي تملك به حماس الأغلبية وكذلك تقتطع العديد من مهام رئيس لوزراء لصالح رئيس السلطة، الأمر الذي أثار تساؤلات حول مدى قانونية هذه الجلسة ؟ وهل يحق للمجلس التشريعي المنتهية ولايته ممارسة التشريع؟
لقد سارع المجلس التشريعي الجديد في أول جلسة له إلى إلغاء كافة القرارات التي أُتخذت خلال جلسة المجلس التشريعي المنعقدة في13/2/2006 بإعتبار وأن المجلس القديم إنتهت ولايته ولا يملك إلا سلطات التسيير .
في المقابل تمسك أعضاء المجلس التشريعي المنتهية ولايته بأن المادة (47 مكرر) من القانون الأساسي المعدل تخولهم صلاحية مباشرة مهامهم الدستورية الكاملة إلى حين أن يؤدي الأعضاء الجدد اليمين الدستورية .
ولعل ما ذهب إليه الأستاذ الدكتور/ مبارك الخالدي (أستاذ القانون الدستوري بجامعة النجاح ورئيس لجنة صياغة الدستور الفلسطيني) هو الأرجح بأن الفترة التي تعقب إنتهاء الولاية الدستورية للمجلس هي فترة مؤقتة وبالتالي لا يملك المجلس صلاحية البت في أي قانون أو تعديله طيلة مدة إنتظار أداء النواب الجدد اليمين الدستورية.
ثالثا: جاء هذا التوجه الدستوري منسجما مع نص الفقرة 2 من المادة 37 من القانون الأساسي التي أوكلت لرئيس المجلس التشريعي مهام رئيس السلطة الفلسطينية بشكل مؤقت مدة 60 يوما عند شغور منصب هذا الأخير .
وبالتالي فإن فلسفة المشرع في كلتا الحالتين هي درء حالات الفراغ التي قد تترتب عن الشغور في السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية.
رابعا: نصت المادة 3 من القانون الأساسي المعدل رقم 2 لسنة 2005 على ما يلي:
(يلغى كل ما يتعارض مع أحكام هذا القانون الأساسي المعدل).
جاءت هذه المادة متناغمة مع القاعدة القانونية "النص اللاحق ينسخ النص السابق" وبالتالي يقع باطلا كل نص دستوري أو قانون عادي أو قانون فرعي أو أي نص أو إجراء يتعارض مع التعديلات الواردة في القانون الأساسي المعدل.
خامسا: جاء مشروع القانون المعدل للقانون رقم (9) لسنة 2005م بشان الانتخابات بإضافة جديدة لها تأثير على ولاية المجلس التشريعي، عندما اعتبر التعديل بأن إحجام الرئيس عن الدعوة للانتخابات التشريعية خلال مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر قبل تاريخ انتهاء مدة ولاية المجلس تعتبر الدعوة مصدرة حكماً من اليوم الأول للثلاثة أشهر، وحيث أنه من المفترض أن تنقضي ولاية المجلس الحالي بحلول تاريخ 25/1/2010 فإن الدعوة لإجراء الانتخابات التشريعية ستكون صادرة ضمنيا بتاريخ 25/10/2009 ، وبالتالي لن يكون هناك مبرر لبقاء المجلس أو تمديد ولايته على النحو المذكور أعلاه، إنما يتعين أن تتجه الجهود للشروع بالتجهيز للانتخابات التشريعية استنادا للدعوة الضمنية، لكن نؤكد على أن ما تضمنه القانون المعدل لقانون الانتخابات رقم (9) لسنة 2005م لا يمكن أن يخالف أو يتناقض مع النص الدستوري الصريح الذي أكد بأن ولاية المجلس التشريعي تنتهي بأداء النواب الجدد اليمين القانونية، لأن الدعوة لإجراء الانتخابات التشريعية قد تكون قد صدرت حكما، لكن الظروف العامة تحول دون إجراءها وبالتالي بقاء المجلس يستهدف سد الفراغ الدستوري .
ثانياً: مدى انسجام تمديد ولاية المجلس التشريعي مع القانون الدستوري المقارن:
إن المتأمل في التشريعات الدستورية المقارنة لاسيما في الدول العربية في ما يتعلق بمعالجتها لمسألة ولاية السلطة التشريعية, يمكن أن يستخلص مايلي:
" تكاد تبني جُل الدساتير العربية مبدأ تحديد الولاية الزمنية للسُلطة التشريعية بصياغة قانونية قاطعة بحيث تضبط المدة بعدد سنوات محددة، وتحدد بدأ سريان احتسابها بأول اجتماع للسلطة التشريعية ".
في حين جنحت العديد من الدساتير نحو معالجة حالة الفراغ التشريعي الذي قد ينشأ عند تعذر إجراء الانتخابات التشريعية إثر انقضاء ولاية السُلطة التشريعية, وللحيلولة دون الوقوع في هذه الحالة, حرصت الدساتير على تبني إحدى أمرين:-
1- السماح للمجلس القائم بالبقاء حتى يتم انتخاب المجلس الجديد.
- المادة (68) الفقرة (ب) من الدستور الأردني .
- المادة (64) الدستور اليمني .
- المادة (102) الدستور الجزائري .
2- مد ولاية المجلس القائم بشكل مؤقت بموجب قانون.
- المادة (83) الدستور الكويتي .
- المادة (23) الدستور التونسي .
- المادة (81) الدستور القطري .
- المادة (51) الدستور السوري .
ثالثاً: مدى انسجام تمديد ولاية المجلس التشريعي مع الأعراف البرلمانية والفقه الدستوري:
تندرج الأعراف البرلمانية والفقه الدستوري في إطار مصادر القانون التي يمكن الاتكاء عليها في الحالات التي نصطدم بها في وضعية (الفراغ القانوني) أو تدعيم نصوص قانونية يكتنفها الغموض أو يعتريها النقص.
وبالتالي سنحاول وضع مسألة (مد ولاية المجلس التشريعي بعد انتهاء المُدة الدستورية) على محك الأعراف البرلمانية ثم نستعرض بعض الآراء والدراسات الفقهية التي عالجت المسألة.
أ- تمديد ولاية المجلس التشريعي في ظل الأعراف البرلمانية:
العرف الدستوري هو تواتر سلوك برلماني مُعين ولُمدة طويلة حتى اكتسب الصفة المُلزمة, ويندرج ضمن مفهوم العُرف البرلماني (السوابق البرلمانية) التي شهدتها العديد من السًلطات التشريعية في أحوال وظروف مشابهة يمكن القياس عليها.
ولعل أفضل ما نستهل به الحديث عن الأعراف البرلمانية الإشارة إلى " سابقة تمديد ولاية المجلس التشريعي الأول " , حيث أصدر الرئيس الراحل المرحوم/ ياسر عرفات مرسوماً رئاسياً في مارس 2002 يقضي بمد ولاية المجلس التشريعي الذي كان من المفترض أن تنتهي ولايتهُ في المرحلة الانتقالية التي حُددت بشهر أيار/ 1999 وقد نص المرسوم الرئاسي على ما يلي: "بناءً على الصلاحيات المخولة لنا ونظراً للظروف الراهنة التي يمر بها الوطن وبناءً على مقتضيات المصلحة العليا قررنا تمديد فترة ولاية الدورة الحالية للمجلس التشريعي الفلسطيني لمدة أقصاها ثلاثة أشهر.
وقد تدخل المجلس المركزي لمنظمة التحرير لإضافة تمديد جديد لولاية المجلس التشريعي ليستمر عمله حتى كانون الثاني/ 2006 .
يمكن أن نستخلص من السابقة آنفة الذكر بأنه كلما كانت الظروف القائمة تحول دون إجراء انتخابات تشريعية بسبب مضايقات الاحتلال أو بسبب ظروف قاهرة ، فإن تلكم الظروف تعد سبباً وجيها يدعو إلى استمرارية ولاية المجلس التشريعي بشكل مؤقت لحين زوال تلك العوارض.
وهذا ما أكدته المادة (47) مكرر من القانون الأساسي المعدل لسنة 2005م, " تنتهي ولاية المجلس القائم عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية " في إشارة إلى مد الولاية المجلس القديم إذا تعذَّر على النواب الجدد أداء اليمين الدستورية بسبب ظروف استثنائية .
إن ذات الظروف التي ساهمت في التمديد للمجلس التشريعي الأول سنة 2002, في سابقة هي الأولى التي تشهدها الحياة البرلمانية الفلسطينية ، هي نفسها تتكرر في ظل الوضع الراهن، حيث أضيف للإجراءات التعسفية للاحتلال حالة الانقسام الداخلي كأحد الموانع التي يتعذر معها إجراء انتخابات , ناهيك عن فقدان السيد/ محمود عباس لشرعية الدعوة إلى الانتخابات التشريعية لانتهاء مهامه دستوريا، وكل هذه الحجج تؤيد اعتناق سابقة 2002.
ب- تمديد ولاية المجلس التشريعي في ظل الفقه الدستوري:
1. إن مسألة (الولاية الدستورية للمجلس التشريعي) ترتبط بمبدأ فقهي شهير هو(المشروعية الديمقراطية) وهي أن ولاية السلطة التشريعية مُحددة بفترة زمنية وذلك تمشياً مع المبدأ الديمقراطي الذي يقتضي التجديد بصفة دورية عن طريق الانتخابات.
2. من المبادئ الفقهية الراسخة في الأنظمة الدستورية مبدأ (سمو الدساتير) بمعنى منح الدستور المكانة الأعلى وتبوأه قمة الهرم التشريعي, بحيث يعتبر أعلى وثيقة قانونية توجد في أي نظام سياسي, وبالتالي كافة القوانين الأخرى تنضوي تحت عباءة الدستور مثل القوانين العادية والقوانين الفرعية وأي إجراء أو سلوك آخر يجب ألا يُخالف نصوص الدستور , وحيث أن الدستور قد نص على مد الولاية التشريعية بشكل مؤقت إلى حين أداء أعضاء المجلس الجدد اليمين الدستورية وذلك استناداً للمادة (47) مكرر من القانون الأساسي المعدل لسنة 2005 م وأضاف هذا الأخير مادة تقضي ببطلان كل نص يخالف أحكام هذا القانون الأساسي المعدل.
فيترتب عن ذلك عدم إمكانية الاحتجاج بقانون الانتخابات أو غيره من القوانين في ظل توافر أحكام دستورية تنظم نفس المسألة.
3. فكرة (الفقه القانوني المقاوم) أطلق هذا المُصطلح رئيس اللجنة القانونية السابق ووزير العدل الحالي الأستاذ / محمد فرج الغول الذي بيَّن بأن الوضع الفلسطيني الذي تعيشه السُلطة الوطنية الفلسطينية هو وضع استثنائي لا مثيل له في العالم مما دفع المجتمع لإيجاد أساليب مقاومة جديدة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والقانونية, وهذه الأساليب تبقي وتتطور طالما بقيُّ الاحتلال جاثماً على صدورنا ، جاء حديث الأستاذ/ الغول في معرض تبريره لشرعية الوكالات الدستورية للنواب المعتقلين .
4. آراء فقهية حول مد ولاية المجلس التشريعي :
• على الرغم من ندرة الدراسات والأبحاث القانونية التي تناولت هذه المسألة إلا أنه أمكن لنا الإطلاع على بعض الآراء الفقهية المتناثرة حول دستورية التمديد لولاية المجلس التشريعي بشكل مؤقت استناداً للمادة (47) مكرر من القانون الأساسي المعدل لسنة 2005.
حيث أشار الأستاذ الدكتور/ أحمد مبارك الخالدي عميد كلية الحقوق في جامعة النجاح سابقاً ورئيس لجنة وضع الدستور ووزير العدل الأسبق إلى الرأي التالي نورده كاملاً لأهميته:
(نجد أن المشرع الدستوري الفلسطيني في القانون الأساسي لم يأخذ بحكم إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية متزامنة, ولو أراد ذلك لسلك المسلك نفسه الذي اتبعه في إضافة المادة (47) مكرر إلى القانون الأساسي التي جاءت لتضع استثناء على الحكم العام الوارد في نص المادة (47/3) والذي قرر بصفة عامة أن مدة ولاية المجلس التشريعي أربع سنوات من تاريخ انتخابه الأمر الذي يستوجب انتهاء ولاية المجلس التشريعي من يوم إعلان نتائج انتخاب المجلس التشريعي الجديد, لكن المشرع الدستوري أراد أن يضع استثناء على ذلك الحكم العام حيث أراد أن يمد في ولاية المجلس التشريعي السابق وتعطيل بدء ولاية المجلس التشريعي الجديد إلى حين إتمام أعضاء المجلس التشريعي الجديد حلف اليمين الدستورية, لذلك نص على الاستثناء على الأصل في المادة (47) مكرر من القانون الأساسي ذاته ولم ينص عليه في قاعدة أدني درجة من القانون الأساسي") .
أيضا يُدعِّم ويعزز الرأي المذكور أعلاه رأي آخر أفاد بما يلي وننقله حرفيا :
[ ينص القانون الأساسي في المادة 47على أن المجلس التشريعي هو السلطة التشريعية المنتخبة, وأنه يتولى مهامه التشريعية والرقابية على الوجه المبين بنظامه الداخلي, وتحدد المادة نفسها مدة المجلس التشريعي بأربع سنوات من تاريخ انتخابه بحيث تجرى الانتخابات مرة كل أربع سنوات بصورة دورية.
وقد جرى التعديل الدستوري سنة 2005م, انسجاما مع قانون الانتخابات لسنة 2005م, الذي أنهى مسألة بقاء المجلس طوال المرحلة الانتقالية فيما نصت المادة (47 مكرر) على أن (تنتهي مُدة ولاية المجلس التشريعي القائم عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية).
وقد تمَّ إحداث هذا النص لسد أي فراغ دستوري قد ينشأ في حال لم تجر الانتخابات التشريعية أو عدم قدرة المجلس التشريعي الجديد على الانعقاد نتيجة التهديدات الإسرائيلية بعدم السماح للفلسطينيين بإجراء الانتخابات التشريعية خاصة في مدينة القدس ووفقاً للاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية عام 1995م "وبخاصة البروتوكول الخاص بالانتخابات"] .
- الخلاصـــة:
جـاءت التعديلات الدستورية الواردة في القانون الأساسي المعدل رقم 2 لسنة 2005 لسد الثغرات التي اعترت القانون الأساسي لسنة 2003 فيما يتعلق بتحديد مدة ولاية المجلس التشريعي، وبالتالي يمكن التأكيد على أن: ولاية أعضاء المجلس التشريعي القائم تنتهي بتضافر شرطين متلازمين:
1- انقضاء مدة الأربع سنوات من تاريخ انتخاب المجلس التشريعي.
2- قيام أعضاء المجلس التشريعي الجدد بأداء اليمين الدستورية.
وعليه بانقضاء مدة الأربع سنوات يبقى المجلس الحالي يباشر أعماله التشريعية المنوطة به بشكل مؤقت إلى حين أداء الأعضاء الجدد اليمين الدستورية حسب الأصول، مع التأكيد على أن دور أعضاء المجلس التشريعي المنتهية ولايته سيقتصر طيلة فترة الولاية المؤقتة على تسيير الأعمال والإدارة دون أن يكون للمجلس المنتهية ولايته الحق بالتشريع أو الإقرار لمشاريع القوانين أو الاستجواب أو عقد جلسات الاستماع أو أي من الأعمال المنوطة بالسلطة التشريعية.
وهذا التوجه ينسجم ويتناغم مع كل من القانون الدستوري المقارن فضلا عن الفقه الدستوري وكذلك مع الأعراف البرلمانية المشار إليها أعلاه.
انتهى ،،،