ذكرى الاندحار.. وبشريات النصر والتحرير .. بقلم رئيس المجلس التشريعي بالإنابة د. أحمد بحر

September 11, 2023, 12:09 pm

كلمة البرلمان



ذكرى الاندحار.. وبشريات النصر والتحرير



بقلم رئيس المجلس التشريعي بالإنابة د. أحمد بحر



تتربع الذكرى الثامنة عشر للاندحار الصهيوني عن غزة على عرش الذكريات الوطنية التي تتزاحم في شهر سبتمبر الذي يحفل بتوليفة متنوعة من الأحداث والمناسبات التاريخية التي تركت آثارها العميقة في ذاكرة ووجدان وواقع شعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية.



شهد شهر سبتمبر ذكرى اندلاع انتفاضة الأقصى بتاريخ 28 سبتمبر عام 2000، وذكرى الاندحار الصهيوني عن غزة بتاريخ 12 سبتمبر عام 2005، في ذات الوقت الذي شهد فيه ذكرى توقيع اتفاقية أوسلو المشؤومة بتاريخ 13 سبتمبر عام 1993، وذكرى مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا ما بين 16 و18 سبتمبر عام 1982.



لكن ذكرى الاندحار الصهيوني عن غزة عام 2005م تبقى فارقة في مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني إذ قلبت الموازين وأحدثت هزة مدوّية في الوعي الصهيوني ومنظومته السياسية والأمنية والعسكرية، وأجبرته على الرحيل والاندحار عن قطاع غزة عام 2005م وهو يجرّ أذيال الفشل والخيبة والخسران، في حدث تاريخي مجلجل كان له ما بعده فلسطينيا على مختلف الأصعدة والمستويات.



لقد سقطت الهيبة العسكرية الصهيونية في أوحال غزة عام 2005، وسقط معها الهالك شارون الذي أصمّ آذان الصهاينة بأن نتساريم كتل أبيب، ليسقط من بعدها شارون تحت ضربات المقاومة الباسلة وأنفاقها الهجومية وعملياتها العسكرية النوعية، ومن بينها عملية الشهيد محمد فرحات النوعية الذي ودعته أمه المجاهدة خنساء فلسطين أم نضال فرحات بالزغاريد، في مشهد من أروع مشاهد البطولة والتضحية والفداء على مدار التاريخ الفلسطيني الحافل بالأمجاد والتضحيات.



ولا ريب أن وحدة المقاومة وتلاحمها مع حاضنتها الشعبية شكلت أحد الروافد الداعمة لمشروع المقاومة وإنجازها الكبير في دحر شارون وقطعان مستوطنيه عن غزة، وكما سقطت نتساريم ستسقط تل أبيب بإذن الله، وكما سقط شارون سيسقط قادة الاحتلال على اختلاف أحزابهم، وستنتصر المقاومة في الضفة كما انتصرت في غزة، وإن غدا لناظره قريب.



ومنذ لحظة الاندحار وتقهقر جحافل الاحتلال وقطعان مستوطنيه عن غزة عام 2005 حاول الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية وحلفاؤهما على امتداد الإقليم والعالم، تفريغ هذا الانتصار الوطني الفلسطيني الكبير من مضامينه الكبرى عبر سلسلة من الحروب وجولات التصعيد والعدوان التي شنها الاحتلال على قطاع غزة وحصدت آلاف الأرواح ودمرت عشرات آلاف البيوت والبنى والمنشآت والمقدرات، بالتوازي مع فرض حصار اقتصادي ومالي مشدد على القطاع فاقم من حدّة المعاناة التي يعيشها أهله الصامدين بسبب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وأسهم في شل وتعطيل الكثير من المناشط والمجالات والقطاعات الحيوية في القطاع على المستوى الصحي والبيئي والاجتماعي والاقتصادي، ناهيك عن أشكال العدوان والتهويد والاستيطان التي تحاول السيطرة على المسجد الأقصى وسحق المقاومة في الضفة الغربية.



ولا زال الاحتلال والإدارة الأمريكية وحلفاؤهما يواصلون ضغوطهم على شعبنا الفلسطيني، عسكريا واقتصاديا وماليا، كي يستسلم ويرفع الراية البيضاء، ويتخلى عن مقاومته المشروعة وتمسكّه بحقوقه وثوابته الوطنية، وهو ما يواجهه شعبنا الصامد ومقاومته الباسلة بكل بطولة وثبات وإباء تجسده الملاحم البطولية الرائعة التي تخوضها المقاومة في الضفة رغم القتل والتدمير وسفك الدماء، ومن قبلها المقاومة في غزة التي أذاقت الاحتلال طعم الخزي والهوان في معركة سيف القدس عام 2021، ولا زالت أيديها ضاغطة على الزناد، وقادتها وكوادرها ورجالاتها الميامين رهن إشارة شعبنا وقدسنا وأقصانا كي تدكّ معاقل بني صهيون، وتبدد وهمهم المصطنع الجاثم على صدور أبناء شعبنا منذ ما قبل عهد النكبة الأولى عام 1948 وحتى اليوم.



إن ذكرى الاندحار الصهيوني المذل عن غزة عام 2005م يشكل أحد أهم المحطات النضالية والكفاحية لشحذ الهمم والعزائم، وتربية النشء والأجيال الجديدة على حب الوطن وغرس معاني الجهاد والاستشهاد في نفوسهم من جهة، والتأكيد على الإصرار على الاستمرار الواثق وخوض طريق المقاومة والتحرير حتى الانتصار والعودة، ومع ذكرى الاندحار الصهيوني عن غزة يتجدد الأمل وتنتعش الذاكرة، وتقترب جحافل الحق من معركة وعد الآخرة واستنشاق عبير النصر الموعود.



إننا في المجلس التشريعي الفلسطيني نؤكد أننا سوف نظل الأمناء على قضية شعبنا، والأحرص على دعم وإسناد مقاومته ومشروعه الوطني التحرري، وستبقى ذكرى الاندحار الصهيوني عن غزة ملهمة للأجيال الفلسطينية في طريقها نحو تحقيق الاندحار الصهيوني النهائي وتحرير الأرض والمقدسات، ولن تقر لنا عين حتى تتحرر فلسطين كل فلسطين، وينكسر الحصار الظالم المفروض على غزة وينعم شعبنا المرابط فيها وفي كل بقعة من فلسطين الحبيبة بالعيش الكريم أسوة بكافة شعوب العالم.



رحم الله شهداء شعبنا، وشفى الله جرحانا، وفك قيد أسرانا، وأجزل الأجر والمثوبة لرجال المقاومة ولعوائلنا الصابرة المجاهدة في الوطن والشتات.



"والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون"