أولاً: التمثيل البرلماني الفلسطيني خلال مرحلة الخلافة العثمانية(1517 – 1917):

يعتبر التمثيل البرلماني للفلسطينيين في العهد العثماني أولى الممارسات البرلمانية في فلسطين، وذلك إبان تمثيل الأقاليم الفلسطينية في البرلمان العثماني في الأستانة في (مجلس المبعوثان)[1]، حيث تعود بداية المشاركة الفلسطينية في الانتخابات إلى العام 1896م إبان فترة الحكم العثماني[2]، فبعد صدور أول دستور عثماني في 23 كانون أول/ ديسمبر 1876, انتخب الفلسطينيون – شأنهم شأن الشعوب الأخرى التابعة للسلطة العثمانية- ممثليهم إلى مجالس برلمانية عثمانية أربعة (انتخابات أعوام 1896, و1908, و1912, و1914)[3] ، ويُذكر أنه كان لفلسطين نائباً واحداً إلى الأستانة عن منطقة القدس في البرلمان الأول سنة 1896 وهو النائب يوسف ضيا باشا الخالدي, أما برلمان سنة 1908 فقد مثل فلسطين كل من سعيد الحسيني عن القدس, وحافظ السعيد عن يافا, والشيخ أحمد الخماش عن نابلس, والشيخ أسعد الشقيري عن عكا, وأما في انتخابات العام 1912 فقد مثل فلسطين في الأستانة كل من روحي الخالدي وعثمان النشاشيبي عن القدس, وأحمد عارف الحسيني عن غزة, وحيدر طوقان عن نابلس, والشيخ أسعد الشقيري عن عكا, لكن عدد نواب فلسطين إلى الأستانة ارتفع في انتخابات العام 1914 إلى ستة نواب هم: راغب النشاشيبي, وسعيد الحسيني, وفيضي العلمي عن القدس, توفيق حماد وأمين عبد الهادي عن نابلس, وعبد الفتاح السعيد عن عكا.

   وإجمالاً فقد بلغ مجموع النواب الفلسطينيين في تلك المجالس أربعة عشر نائباً، وبالرغم من أن العرب يفوقون الأتراك عدداً, فإنهم لم يتمثلوا بأكثر من (25%) من البرلمان الذي بلغ عدد أعضائه (273) نائباً.[4]

     وبإطلالة على القانون الأساسي العثماني[5]نجد انه خصص المواد من (42-80) لتنظيم (المجلس العمومي) الذي يتركب من هيئتين هيئة الأعيان وهيئة المبعوثين وهو أشبه بنظام الكونغرس الأمريكي الذي يضم مجلس لشيخ ومجلس النواب، حيث وفق المادة (60) من القانون الأساسي العثماني يعين أعضاء هيئة الأعيان من حضرة السلطان رأساً ولا يتجاوز عددهم ثلث أعضاء هيئة المبعوثين ومدة العضوية مدى الحياة وفق المادة(62) ومهمة هيئة الأعيان تدقيق القوانين الصادرة عن هيئة المبعوثين.

بينما ينتخب أعضاء هيئة المبعوثين من أتباع الدولة العلية ويكون التمثيل باعتبار شخص لكل خمسين ألف نفس من الذكور التابعين للدولة العثمانية استنادا للمادة (65) من القانون الأساسي العثماني، ومدة ولاية هيئة المبعوثين اربع سنوات وفقا للمادة (69) من القانون الأساسي العثماني، والملفت أن انتخاب رئاسة هيئة المبعوثين يكون بالانتخاب من هيئة الأعيان وفق المادة (77)، ويجدر الذكر أن القانون الأساسي للدولة العثمانية منح الأعضاء في هيئة المبعوثين الحصانة طيلة مدة العضوية ومنحهم حق الرقابة على المال العام ومذاكرة القوانين (80)

   ويتضح مما تقدم أنه وبالرغم من عدم توفر محاضر الجلسات أو أية وثائق تبرز النشاط البرلماني للنواب الفلسطينيين في مجلس المبعوثان في الأستانة ؛إلا انه يمكن أن نستشف مدى الوعي المبكر لتبني الأساليب الديمقراطية آنذاك، وقد سجلت كتب التاريخ جهود النواب الفلسطينيين في مجلس المبعوثان للدفاع عن الحقوق العربية وكيفية التصدي للنواب الأتراك في ذات المجلس[6].

   وقد أبرزت الكتابات التاريخية مطالبات النواب الفلسطينيين بتطبيق الإدارة اللامركزية في كل ولاية عربية واعتماد اللغة العربية كلغة رسمية في الأقاليم العربية ، بل يُحسب للنواب الفلسطينيين في مجلس المبعوثان استشعارهم المبكر بخطر التمدد الصهيوني عندما طالبوا بسن تشريعات تمنع الهجرة والاستيطان الصهيوني بفلسطين [7]وقد دفع النواب ثمناً باهظاً لهذه المطالبات تمثلت في الإبعاد والنفي والإعدام.

  وبالمحصلة يمكن القول أن التجربة البرلمانية الفلسطينية فترة الخلافة العثمانية[8]كانت محدودة حيث اقتصرت على المدن الكبرى فقط ولم تُجر انتخابات حقيقية كما لم يُمكّن النواب الممثلين من الأدوات البرلمانية الكاملة لممارسة حقهم النيابي، واستمرت على هذه الوضعية إلى أن سقطت الدولة العثمانية وحل محلها في فلسطين الانتداب البريطاني.




[1]- هو البرلمان العثماني أو المجلس النيابي، أسسه السلطان عبد الحميد فأجريت انتخابات عامة لأول مرة في التاريخ العثماني، وأسفرت عن تمثيل المسلمين في مجلس المبعوثان بـ71 مقعدًا، والمسيحيين بـ44 مقعدًا، و4 مقاعد لليهود. واجتمع البرلمان رسميًا في 4 ربيع الأول 1294 هـ = 19 مارس 1877م في حفل كبير أقيم في قاعة الاحتفالات في قصر طولمه باغتشه. بدأ المجلس عمله في جد ونشاط، وناقش بعض المشروعات، مثل: قانون الصحافة، وقانون الانتخابات، وقانون عدم مركزية الحكم، وإقرار الموازنة العامة للحكومة.

لم تطل الحياة النيابية كثيرًا، حيث لم تزد عن 11 شهرًا من تاريخ انعقاده، أصدر بعدها السلطان عبد الحميد قرارا بتعطيل المجلس في 13 صفر 1295 هـ = 14 فبراير 1878م، واستمر هذا التعطيل زهاء 30 عامًا لم تُفتح خلالها قاعة البرلمان مرة واحدة. قبل أن يصدر السلطان عبد الحميد الثاني في 23 جمادى الآخر 1326 هـ = 23 يوليو 1908م قرارًا بإعادة العمل بالدستور، وإعادة النشاط النيابي، فأجريت انتخابات أخرى موسعة، حيث انتخب نواب من أقاليم لم تكن ممثلة في الدورة الأولى. كان مجلس المبعوثان يتم اختيار أعضائه عن طريق إجراء انتخابات عامة في أنحاء الدولة والأقاليم، يمثل كل نائب 50 ألف فرد من رعايا الدولة الذكور، ومدة العضوية 4 سنوات (المصدر موقع ويكيبيديا –الموسوعة الحرة).

[2]- أحمد قريع، الديمقراطية والتجربة البرلمانية الفلسطينية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت،2006، ص11.

[3]-  أحمد قريع ،المصدر السابق، ص11.

[4]- أحمد قريع ،المصدر السابق ،ص12.

[5]- منشور في سلسلة القوانين الفلسطينية (سيسالم- مهنا- الدحدوح) الجزء(18)، القانون الأساسي، أبريل 2004، ص112.

[6]- أحمد قريع، مصدر سابق، ص13.

[7]-  أحمد قريع، المصدر السابق، ص 13.

[8]- من أهم القوانين والمجموعات القانونية التي ورثناها منذ زمن الدولة العثمانية: قانون الأراضي في مجموعة عارف رمضان ودعيبس المر، ومجلة الأحكام العدلية التي تضمن القانون المدني الفلسطيني في مجموعة سليم بات وفهمي الحسيني وقوانين الوراثة والأوقاف والأحوال الشخصية للمسلمين على مذهب الأمام أبو حنيفة النعماني، وقانون انتقال الأراضي الأميرية لسنة 1913 وقانون التجارة لسنة 1850.