- June 5, 2023, 5:06 am
جريمة الشهادة الكاذبة (شهادة الزور )
في التشريع الفلسطيني
المساعد القانوني في المجلس التشريعي
محمد أبو حصيرة
لما لشهادة الحق من فائدة مجتمعية تتمثل في كشف الحقائق والمساهمة في رفع الظلم وإزالة الغموض عن العديد من القضايا، أعتبرت هذه الشهادة واجب ديني وأخلاقي، فضلاً عن الواجب القانوني.
وقد جسد القانون الفلسطيني تلك الأهمية من خلال تنظيمه لكافة مسائل الشهادة، وترتيب العديد من الإجراءات والعقوبات عن الإخلال بإدائها أو الكذب في قولها.
ومن بين الأفعال المتعلقة بالشهادة، والتي تصدى لها المشرع الفلسطيني ما يعرف بالشهادة الكاذبة أو شهادة الزور، حيث لما لها من تأثير على تضليل العدالة وتلاشي حقوق الناس، وطمس معالم العدل، ومن شأنها أن تعين الظالم على ظلمه وتعطي الحق لغير مستحقه.
وبهذه المثابة، فإن الشهادة الزور سبب لزرع الأحقاد والضغائن في القلوب، وتقويض أركان الأمن والسكينة بين الناس، والعصف بدعائم المجتمع وتدميره، لكل ذلك وأكثر فقد حرص المشرع على تنظيمها بشكل يحقق الردع لكل من يحاول نطق الشهادة زوراً قاصداً بذلك التأثير على مجرى العدالة والتفريق بين صاحب الحق وحقه. ومن ثم، ساغ القول بأن الشهادة الزور «جريمة خلقية وقانونية شائنة تنافي النظام العمراني، وتفضي إلى الفوضى في كل نواحي الحياة".
وقد اعتبر قانون العقوبات الفلسطيني رقم (74) لسنة 1936م، الشهادة الكاذبة (شهادة الزور) جناية يعاقب عليها بالحبس مدة سبع سنوات، وعرفها بأنها نطق الشخص في أي إجراءات قضائية أمام محكمة أو مجلس قضائي لأي أقول على خلاف الحقيقة، بشكل يؤثر على مجرى القضية أو الدعوى، ويستوي في الأقوال المعطاة أن تكون بصورة كتابية أو شفوية، كما يستوي في هذه الشهادة أن تكون مشفوعةً بيمين أو أن تكون على سبيل الإفادة.
كما ولم يقتصر المشرع في نطاق التجريم والعقاب على مؤدي الشهادة الكاذبة، وإنما اعتبر من قام بالإغراء أو الحض على تأدية هذه الشهادة في ذات المصاف، ووجه له جريمة الإغراء على أداء الشهادة الزور، والتي تعتبر جناية يعاقب عليها بالحبس سبع سنوات مثلها في ذلك مثل جريمة شهادة الزور.
ووفقاً للقانون فإننا نكون أمام جريمة الشهادة الزور مكتلمة الأركان إذا توافر لدى الجاني ركن المادي يتمثل نطق الشهادة كذباً بصورة مُنافية للحق، والركن المعنوي، وهو ما يعرف بالقصد الجرمي والإرادة الآثمة عند الفاعل على أحدث نتيجة سيئة رُغم علمه بالأحداث والأضرار وعواقب الجريمة.
وأخيراً ركن الضرر، ويقصد به حدوث الضرر نتيجة نطق شهادة الزور أو احتمالية حدوث الضرر نتيجة هذه الشهادة، فحتى وإن لم يحدث ضرر حتمي تقوم جريمة شهادة الزور لأنها تعتبر ضرر عام بحق القانون وللدولة حق في مُعاقبة الجاني مِن أجل ردعه وردع كُلّ من تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجريمة.
بالإضافة إلى ما سبق، وإلى جانب المسؤولية الجزائية الموضحة أعلاه، فقد أثار القانون المسؤولية التأديبية والمدنية بحق مرتكب جريمة الشهادة الزور، حيث اعتبر هذه الجريمة من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة، والتي يجب توجيه جزاء إداري بحق مرتكبها يتمثل في الفصل من الوظيفة العامة.
أيضاً للمتضرر من جريمة الشهادة الزور أن يلجأ للقضاء المدني ويثير مسؤولية الجاني المدنية (التقصيرية)، وذلك من خلال إقامة دعوى توجب الجاني أو مرتكب جريمة الشهادة الزور بدفع التعويض المناسب عما لحق المضرور من ضرر بسبب هذه الشهادة.
فضلا عن ما سبق، فقد رتب القانون حماية إجرائية لصاحب الحق (المضرور من شهادة الزور)، حيث خوله الحق في الطعن في الأحكام الجزائية أو المدنية التي تصدر بشكل مخالف للقانون بسبب شهادة الزور أو الشهادة الكاذبة.
وصفوة القول، إن جريمة شهادة الزور هي جريمة قائمة بذاتها، جريمة من شأنها الإخلال بحسن سير العدالة. فشهادة الزور، وإن لم تؤتي أُكلها، فهي حتماً تؤدي الى تضليل القضاء والعدالة.